هل نحن دوله مدنيه أم دوله ثيوقراطية؟
الدوله المدنيه هي التي يعلوا فيها القانون ولا يفرق في تطبيقه بين غني وفقير ولا رجل وامرأة ولا شاب وعجوز ولا مسلم ومسيحي ولا ابيض واسود ولا متعلم وجاهل. اَي ان القانون والعداله معصوبة العينين لا تري الأفراد كافراد ولكن تراهم من موقع أعمالهم. هم ابرياء او مذنبين من جراء أعمالهم وهل اخترقوا القانون أم حافظوا عليه. والقانون مكتوب وله تفسيره الواضح ومعروف للجميع. وعدم المعرفة به لا تعفي من عواقبه. والكل سواء امام القانون ويطبق بحياديه تامه.
الدوله الثيوقراطية دوله يحكمها الدين وقوانين الدين ومن يفسر هذه القوانين هم رجال هذا الدين وتعتبر تفسيراتهم هي التي تسري علي من يعتبرونه خارق لقانون او احكام الدين وهم من يفسرون معاني القوانين وغالباً ما تكون هناك قوانين تفرق بين الرجال والنساء علي حسب الدين. فنجد هناك فرق في التعامل بين الرجال والنساء في الدين اليهودي وكذلك الدين الاسلامي. ويطبق القانون الديني علي حسب تفاسيره من رجال الدين وعلي حسب تشددهم او ليونتهم في التفسير. ولنا العبره في ذلك في ايران وافغانستان حيث يحكم رجال الدين. وإسرائيل في طريقها الي ذلك مع اعتبار دين الدوله اليهوديه.
الوضع في مصر خليط من الدولتين. نجد ان الدستور يقول انها دوله مدنيه ولكن يصفها بانها دوله اسلاميه. نجد ان القانون ينص علي المساواه ولكن عند التطبيق يستشار رجال الدين في كيفية تطبيقه. فمثلا عندما يحكم بالإعدام علي مجرم اثبت جرمه ، اول شئ يجب عرض اوراقه علي المفتي ليقول كلمته في تنفيذ الحكم من عدمه. وهذا نوع من الخلط لان في الدوله المدنيه القانون المدني هو الساري وفِي الدوله الثيوقراطية فقانون الدين هو الساري وفِي مصر القانونين هما ساريان!!
ماذا لو تعارض احد القوانين مع الاخر؟ وقد حدث فعلاً. في اثناء حكم الملك في مصر قتل رجل مسلم رجل مسيحي وأمسك به متلبساً وحوكم وحكم عليه بالإعدام وحولت اوراقه للمفتي الذي رفض حكم الإعدام علي ان حياة الغير مسلم لا تساوي حياة المسلم ولذا لا يجوز إعدام المسلم الذي أزهق روح الغير مسلم. وآثار حكم المغتي ثوره عارمه في المجتمع المدني حينها وأعلن رئيس الوزراء وقتها ان رأي المفتي استشاري قد يعتد به او لا. وفعلاً رفض رأي المفتي واعدم القاتل. وهذه كانت تنفيذاً للقوانين المدنيه التي تساوي بين المواطنين.
اما اليوم فنجد ان التدخل الديني اصبح شئ واضح وصريح ويعلن علي الملاء وتقوم دار الافتاء بفتاوي قد تقيد من حرية المواطنين المكفولة لهم ليس فقط بالقانون بل أيضاً بالدِّين. الدين الاسلامي قوي جداً في الحريه الشخصيه حيث انه في اهم شئ وهو الإيمان او الكفر قد أعطي الناس حرية الاختيار. لا يمكن ان يكون هناك حريه او تسامح اكثر من ذلك. ولكن يأتي رجال الدين ويحاولون تطبيق مفاهيمهم الضيقة علي المجتمع فنجد دار الافتاء تنشر فتوه ان المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان اعتداء علي الاسلام!
أين هذه الفتوه من روح من منكم ان أراد فليؤمن ومن منكم ان أراد فليكفر؟ أين الحريه الشخصية في هذا الوضع؟ أليس هذا اعتداء فعلي علي روح الدين الاسلامي في سماحته وتفهمه وحريته للناس؟ من الذي يعتدي علي الدين هنا؟ وأين الثواب في الأرغام علي الصوم او حتي التظاهر به؟
في الاسلام عدة حالات يسمح فيها الافطار في رمضان وهي معروفه. ولكن الاهم من ذلك ان لكل فرد الحريه في الاختيار إما الصيام او الافطار. لان الدين قد أعطي الحريه للإيمان او الكفر فهل يحرم ما هو اقل بكثير وهو الصيام او الافطار؟ وإصدار فتوه بهاذا المعني فيه شئ من التهديد. ما معني الاعتداء علي الاسلام؟ هل هذا يعني ان من يجاهر بالإفطار في نهار رمضان لابد من معاقبته علي انه يعتدي علي الدين الاسلامي؟ وهل سيطبق هنا قانون ازدراء الاديان؟ وهل سيعامل المواطن هنا علي انه في بلد مدنيه او بلد ثيوقراطية؟ حكم من سينفذ في هذا الوضع؟
عندما قبض علي بعض الشباب من بعض أفراد الشرطه المتشددين لانهم كانوا يدخنون في نهار رمضان ، اضطرت النيابه اخلاء سبيلهم لانه لا يوجد في القانون ما يحاسبهم علي هذا الفعل علي انه جرم. وذلك لانه حتي الان القوانين مدنيه وليست ثيوقراطية في معظمها. ولو ان بعض التفاسير لبعض المواد قد بدأ يأخذ الطابع الديني المتشدد.
قوبلت فتوي دار الافتاء هذه من المواطنين بكثير من الامتعاض لانها تدخل سافر في الحريه الشخصيه التي كفلها ليس القانون المدني الأرضي فحسب ولكن أيضاً القانون السماوي الديني أيضاً. فلا إكراه في الدين.
الي متي سيبقي هذا اللبس بين القانون المدني والقانون الديني؟ والي متي سيبقي هذا الانفصام في شخصية الدستور حيث يتذبذب بين المدنيه والثيوقراطيه وبالتالي تصبح القوانين مذبذبة بين الاثنين ، قد تكون القوانين علي الورق هي قوانين مدنيه ولكن تفسيرها وتطبيق الأحكام مصبوغ بصبغه دينيه. وهذا واضح جداً في تطبيق القانون الجنائي المدني بصبغه دينيه فيما أسموه قانون ازدراء الاديان. عند سن القانون كان القصد منه التطبيق المدني والقانون نفسه مصاغ في صيغه مدنيه ولكنه استخدم من قبل بعض المحامين والقضاة كأداة دينيه يعاقب عن طريقه كل من يتصرف علي حسب منظورهم بما يسئ للدين ويعاقب بالقانون ولكن بصبغه دينيه. وعندما علت الأصوات بتغير القانون وجد انه لا عيب فيه ولكن المشكله في التفسير له وتطبيقه بصبغه دينيه.
ولذا نجد ان المشكله تكمن في المفهوم الشخصي للناس وتفسيرهم للقوانين. وحتي يقرر الشعب بعد الفهم الكامل بمعني المدنيه الصحيح ومعني الثيوقراطية الصحيح وكيف يؤثر كل منهم في نوع الحياة التي يريد ان يعيشها فيمكن وقتها ان يختار نوع الدوله التي يريد ان يعيش فيها: ثيوقراطية أم مدنيه؟
غداً أتطرق لقانون ازدراء الاديان والانفصام في تطبيقه
حفظ الله مصرنا الحبيبه وابنائها الواعين
ان أردت تتبع مقالاتي فاضغط علي القلب اعلي المقال واعمل لايك للصفحة تصلك
المقاله يومياً علي حسابك ولاستمرار ذلك لابد من التفاعل بلايك او تعليق
علي المقالات
Aida Awad
Aida Awad